فصل: من فوائد الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{إِنَّ مَثَلَ عيسى} ذكر غير واحد أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا؟ قال: ما أقول؟ قالوا: تقول: أنه عبد الله قال: أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب فإن كنت صادقًا فأرنا مثله فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه {طس} [النمل: 1] سليمان: بسم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإني أحمد الله إليكم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية فإن أبيتم فقد أذنتم بحرب والسلام، فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعرًا شديدًا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فقال له الأسقف: ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله تعالى إبراهيم في ذرية إسمعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل نبيًا وليس لي في النبوة رأي لو كان أمر من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل وعبد الله بن شرحبيل، وحيار بن قنص فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغداة فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ مَثَلَ عيسى} إلى قوله سبحانه: {فَنَجْعَل لَّعْنَتَ الله عَلَى الكاذبين} [آل عمران: 61] فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملًا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه: إني أرى أمرًا ثقيلًا إن كان هذا الرجل نبيًا مرسلًا فتلاعناه لا يبقى على ظهر الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له: ما رأيك؟ فقال: رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلًا لا يحكم شططًا أبدًا فقالا له: أنت وذاك فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت خيرًا من ملاعنتك قال: وما هو؟ قال: حكمك اليوم إلى الليل وليلك إلى الصباح فما حكمت فينا فهو جائز فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية، وروي غير ذلك كما سيأتي قريبًا، والمثل هنا ليس هو المثل المستعمل في التشبيه والكاف زائدة كما قيل به بل بمعنى الحال والصفة العجيبة أي: إن صفة عيسى عندَ الله أي: في تقديره وحكمه، أو فيما غاب عنكم ولم تطلعوا على كنهه، والظرف متعلق فيما تعلق به الجار في قوله سبحانه: {كَمَثَلِ ءادَمَ} أي كصفته وحاله العجيبة التي لا يرتاب فيها مرتاب {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب مبينة لوجه الشبه باعتبار أن في كل الخروج عن العادة وعدم استكمال الطرفين، ويحتمل أنه جيء بها لبيان أن المشبه به أغرب وأخرق للعادة فيكون ذلك أقطع للخصم وأحسم للمادة شبهته، و{مِنْ} لابتداء الغاية متعلقة بما عندها، والضمير المنصوب لآدم والمعنى ابتدأ خلق قالبه من هذا الجنس {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} أي صر بشرًا فصار، فالتراخي على هذا زماني إذ بين إنشائه مما ذكر وإيجاد الروح فيه وتصييره لحمًا ودمًا زمان طويل، فقد روي أنه بعد أن خلق قالبه بقي ملقى على باب الجنة أربعين سنة لم تنفخ فيه الروح؛ والتعبير بالمضارع مع أن المقام مقام المضي لتصوير ذلك الأمر الكامل بصورة المشاهد الذي يقع الآن إيذانًا بأنه من الأمور المستغربة العجيبة الشأن، وجوز أن يكون التعبير بذلك لما أن الكون مستقبل بالنظر إلى ما قبله، وذهب كثير من المحققين إلى أن {ثُمَّ} للتراخي في الأخبار لا في المخبر به، وحملوا الكلام على ظاهره، ولا يضر تقدم القول على الخلق في هذا الترتيب والتراخي كما لا يخفى، والضمير المجرور عائد على ما عاد عليه الضمير المنصوب، والقول بأنه عائد على عيسى ليس بشيء لما فيه من التفكيك الذي لا داعي إليه ولا قرينة تدل عليه، قيل: وفي الآية دلالة على صحة النظر والاستدلال لأنه سبحانه احتج على النصارى وأثبت جواز خلق عيسى عليه السلام من غير أب بخلق آدم عليه السلام من غير أب ولا أم، ثم إن الظاهر أن عيسى عليه السلام خلقه الله سبحانه من نطفة مريم عليها السلام بجعلها قابلة لذلك ومستعدة له كما أشرنا إليه فيما تقدم. والقول بأنه خلق من الهواء كما خلق آدم من التراب مما لا مستند له من عقل ولا نقل {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [الأنبياء: 12] لا يدل عليه بوجه أصلا. اهـ.

.من فوائد عبد الكريم الخطيب:

قال رحمه الله:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}.
التفسير: كثر الخلاف في المسيح عليه السلام، لأن ميلاده كان على صورة فريدة، لم يولد بها أحد من قبله.. وكان الناس في هذا الميلاد شيعا وفرقا، كل شيعه تقول فيه قولا، وكل فرقة تذهب فيه مذهبا!
أما اليهود، فقد ارتضوا الجريمة مركبا، فقتلوا أنفسهم، وقتلوا الحق معهم.. وقالوا في المسيح أنه ولد كما يولد الناس، من ذكر وأنثى.. وإن كان ميلاده على فراش الإثم والفاحشة.. لأنه ابن زنا! وأما أتباع المسيح، فقد قصرت مداركهم عن إدراك قدرة الله، فلم تحتمل عقولهم تلك الحقيقة، وهى أن الله قادر على كل شئ، يخلق ما يشاء، مما يشاء، وكيف يشاء! فقالوا: إن المسيح هو الله تجسد بشرا في جسد عذراء.. وإذن فهو ميلاد صورىّ، لأنه لم يولد إلا الله نفسه، الذي كان موجودا بكماله الإلهى قبل هذا الميلاد! وإذن فلا مسيح، وإنما هو الله تسمّى باسم بشرى، كما لبس صورة بشرية.. وإذن فهى عملية أشبه بعملية الحلول التي آمن بها كثير من قدماء المصريين، والبراهمة، وغيرهم من الأمم.. فكما كان يحلّ الله في ثور، أو تمساح، أو شجرة، أو رجل.. حلّ في جسد طفل، وخرج وليدا من بطن امرأة.
وأما المسلمون، فقد جاءهم القرآن بالخبر اليقين عن المسيح.. أنه خلق من خلق الله، وإنه إنسان من الناس، ولد بنفخة من روح الله، كما ولد هذا الوجود كله بفيض من فيض الله! وأقرب مثل لهذا. آدم عليه السلام أنه خلق من غير أب أو أم..
خلق من تراب هامد، لا أثر للحياة فيه.. وعيسى عليه السلام خلق مولودا من كائن حىّ، هي أمّه، فأيهما أشدّ غرابة في الخلق؟ الذي خلق من تراب هامد، أم الذي تخلّق من جسد حىّ؟
وفى قوله تعالى: {ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ما يسأل عنه.. وهو:
كيف يقول الله للشئ كن، ثم لا يكون واقعا في الحال، كما يدل على ذلك قوله تعالى: {فَيَكُونُ} التي تدل على المستقبل المتراخى، ولو كان ما أمر الله به واقعا في الحال، لكانت صياغة الآية على غير هذا، ولكانت تلك الصياغة مثلا: {ثم قال له كن فكان}. فكيف يكون هذا؟ وهل أمام قدرة القادر العظيم حواجز وحوائل، تحول بين القدرة وبين إمضاء ما قدرت، على الفور، وفى الحال؟
والجواب على هذا.. هو أنّ قول الله للشيء {كن} لا يقتضى وقوع هذا الشيء في الحال، إذ قد يكون الأمر موقوتا بوقت، أو متعلقا بأسباب، لابد أن يقترن حدوثه بها، وهذه الأسباب لا متعلّق لها بقدرة الله، وإنما متعلّقها بالشيء ذاته، الذي دعته القدرة إلى الظهور، والذي قضت حكمة الله ألا يظهر إلا بعد أن يستكمل أسبابه المقترنة به.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (82: يس).
فمثلا مما سبق علم الله به، واقتضته إرادته إيجاد، شيء ما، وليكن هذا الإنسان أو ذاك..
إن أمر الله قد صدر من قديم لهذا الإنسان أن يكون، على صورة كذا، وهيئة كذا، وأن تحمل به أمه في يوم كذا، وأن يولد في يوم كذا..
وهكذا..
بل وأكثر من هذا.. فإنه قبل ذلك بآلاف السنين، بل وآلاف الآلاف منها.. تنقّل هذا الإنسان في أصلاب الآباء وترائب الأمهات إلى أن التقى أبوه بأمه، في الزمن المحدد واليوم الموعود!.. وهكذا الشأن في كل موجود.. أنه تنقل في موجودات سبقته، وتقلّب في أحوال وأطوار حتى صار إلى ما صار إليه.
وفى خلق آدم، وفى قول الله سبحانه وتعالى فيه: {خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. ما يكشف عن وجه واضح من وجوه الإعجاز القرآنى، وذلك الإعجاز الذي يطالع الناس في كل آية من آياته، الراصدة لأحداث الحياة، وتطور العقل البشرى، المتحدية للإنسانية في كل جيل من أجيالها، وفى كل وجه من وجوهها.
وانظر في وجه هذه المعجزة، على ضوء ما كشف العلم الحديث، من علم الأحياء، ونظرية النشوء والارتقاء- فإنك ترى عجبا من العجب. في نظم القرآن الكريم، وما يحمل هذا النظم من أسرار وغيوب.
إن آدم- ونعنى به الإنسان- لم يخلق من تراب خلقا مباشرا، بمعنى أن الله سبحانه قبض قبضة من تراب، فقال لها كونى آدم- أي إنسانا- فكانت.. ولو شاء الله سبحانه هذا لكان كما شاء وأراد.. ولكنه سبحانه خلق آدم خلقا متطورا، كما يخلق الشجرة العظيمة- مثلا- من بذرة، وكما يخلق الرجل المكتمل من نطفة! لقد تنقّل آدم- ونقول الإنسان- في أطوار كثيرة لا حصر لها، كما يقول سبحانه: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوارًا} (14: نوح) وكما يقول سبحانه في هذه السورة: {وَالله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتًا} (17: نوح).
فآدم الذي هو أول إنسان ظهر على هذه الأرض- قد كان ترابا..
ثم تخلّق من هذا التراب أول جرثومة للحياة، هي أدنى مراتب النبات، في عالم الطحالب.. ثم تدرجت الأحياء في هذا العالم النباتي إلى مداها، فكان منها النخل الذي هو قمة هذا العالم النباتي، ثم بدأت جرثومة العالم الحيواني في الإميبيا والمحّار، والإسفنج.. وذلك في أدنى مراتب هذا العالم الذي نما صعدا حتى بلغ مداه في فضائل القردة، التي بدأت تطل من وجهها صورة باهتة للإنسان (آدم) ثم أخذت هذه الصورة تتضح قليلا قليلا، وتنضج في بوتقة الزمن على مهل.. حتى كان اليوم الذي أطل منه وجه (آدم)، ممثلا في إنسان الغاب. وكان هذا الآدم هو باكورة ثمار هذه الشجرة التي امتدت جذورها في أعماق الأرض! واقرأ الآية الكريمة مرة أخرى: {كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
وقس أبعاد الزمن في ذبذبات تلك الكلمة المعجزة.
{فيكون}.
فإنه لو انكشف لك من العلم هذا المقياس الذي تقاس به ذبذبات الكلمات- لاهتديت إلى ذلك الزمن الذي تم فيه خلق آدم، وتنقله من طور إلى طور..
من التراب.. إلى النبات.. إلى الحيوان.. إلى الإنسان، ولوضعت يدك على العدد الصحيح من ملايين السنين التي قطعها (آدم) في رحلته الطويلة عبر الزمن، حتى كان هذا (الآدم)!! إن (آدم) ليس غريبا عن هذا العالم الأرضىّ الذي يعيش فيه، والذي استولى عليه بسلطان العقل.. فهو ثمرة من ثمراته.. أنه من تراب هذه الأرض.
واقرأ مع هذا قول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} (4: البلد) قوله سبحانه: {وَالله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ الله ما يَشاءُ إِنَّ الله عَلى كُلِّ شيء قَدِيرٌ} (45: النور) وقف عند قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ... وَمِنْهُمْ... وَمِنْهُمْ...} إنهم هم آدم، وأبناء آدم، ينتقلون في أصلاب هذه الكائنات وأرحامها، في ملايين السنين. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.
لقد جاء القول الفصل بالحجة الأقوى، فإذا كان عيسى عليه السلام قد جاء بدون أب، فإن آدم عليه السلام قد جاء بدون أب، وبدون أم، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلمون أني رسول الله وأنني نبي هذه الأمة، فقالوا: أنظرنا غدا نتكلم في هذه المسائل، ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان فقالوا: لا.
وعندما يعرض الحق سبحانه صراع قضية حق مع قضية باطل فهو يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24].
أي إن طرفا واحدا على الهدى، والطرف الآخر على ضلال مبين، لماذا؟ لأن القضيتين متناقضتان، ولا يمكن أن يجتمعا، ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يجتمع بهم في مكان ظاهر، ويدعو الطرفان الأبناء والنساء، ويبتهل الجميع إلى الله الحق أن تُسْتَنْزلَ لعنة الله على الكاذبين، وفي هذا جاء القول الكريم: {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن الْمُمْتَرِينَ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (60):

قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ابتدأ القصة بالحق في قوله: {نزل عليك الكتاب بالحق} ختمها بذلك على وجه آكد وأضخم فقال: {الحق} أي الكامل في الثبات كائن {من ربك} أي المحسن إليك بأنه لا يدع لخصم عليك مقالًا، ولما تسبب عما مضى نقلًا وعقلًا الاعتقاد الحق في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام قال: {فلا تكن من الممترين} مشيرًا بصيغة الافتعال إلى أنه لا يشك فيه بعد هذا إلا من أمعن الفكر في شبه يثيرها وأوهام يزاولها ويستزيرها، وما أحسن ما في سفر الأنبياء الإسرائيليين الذي هو بأيدي الطائفتين اليهود ثم النصارى، يتناقلونه معتقدين ما فيه، وأوضحه في خلاف معتقدهم في عيسى عليه الصلاة والسلام وموافقة معتقدنا فيه، لكنهم لا يتدبرون، وذلك أنه قال في نبوة أشعيا عليه السلام: اسمع مني يا يعقوب عبدي وأنت يا إسرائيل الذي انتخبته! أنا الذي خلقتك في الرحم وأعنتك، ثم قال: هكذا يقول: يقول الرب: أنا الذي جبلتك في الرحم وخلصتك وأعنتك، أنا الذي خلقت الكل، وأنا الذي مددت السماء وحدي، وأنا الذي ثبتّ الأرض، أنا الذي أبطل آيات العرافين، وأصير كل تعريفهم جهلًا، وأرد الحكماء إلى خلفهم، وأعرف أعمالهم للناس، وأثبت كلمة عبيدي، وأتمم قول رسلي؛ ثم قال: أنا الرب الذي خلقت هذه الأشياء، الويل للذي يخاصم خالقه ولا يعلم أنه من خزف الطين! لعل الطين يقول للفاخوري: لماذا تصنعني؟ أو لعله يقول له: لست أنا من صنعتك، الويل للذي يقول لأبيه: لماذا ولدتني؟ أو لأمه: لماذا حبلت بي؟ هكذا يقول الرب قدوس إسرائيل ومخلصه: أنا الذي خلقت السماء ومددتها بيدي وجميع أجنادها، وجعلت فيها الكواكب البهية. اهـ.